المجلس الأعلى الاسلامي من طهران إلى الجادریة في بغداد
-
السيد عمار الحكيم
في كلمة له بثت عبر شبكة الفرات العراقیة الاثنین الماضي اعلن رئیس الإئتلاف الوطني الموحد السید عمار الحكیم عن تشكیل تیار سیاسي جدید حمل عنوان تیار الحكمة الوطني.
وانطلاق هذا التیار یثیر سؤالین محوریین تعتبر الاجابة عنهما كفیلة باضائة المشهد للقارئ الكریم وللرأي العام للاحاطة بالأسباب التي دعت لبلورة مثل هذا التیار الجدید في العراق.
السؤال الأول یتمحور حول سبب انتهاء دور السید عمار الحكیم في المجلس الأعلى، والسؤال الثاني یدور حول دواعي انطلاق تیار الحكمة الوطني كأحد التیارات السیاسیة الجدیدة في الساحة العراقیة بعد تحریر الموصل.
وللاجابة عن السؤال الأول لابد أن نعود الى الوراء قلیلاً للوقوف على حیثیات تشكیل المجلس الأعلى للثورة الإسلامیة في العراق في شهر اكتوبر عام 1982 والذي جاء بهدف الاطاحة بنظام صدام حسین.
تألف المجلس الأعلى في مطلع تشكیله من 16 عضو غالبیتهم من علماء النجف وكربلاء وسیاسیین عراقیین مقیمین في ایران بغیة توحید الجهود ضد نظام صدام، وتدریجیاً بانضمام العدید من قیادات المجامیع والتیارات السیاسیة المعارضة الأخرى بلغ عدد اعضاء المجلس 80 عضواً.
واختیر آیة الله السید محمود الهاشمي كأول رئیس للمجلس الأعلى تلاه آیة الله السید محمد باقر الحكیم، ثم برزت بعض الخلافات أدت إلى تشظي المجلس وخروج أغلب الاعضاء منه، فیما بقي عدد قلیل استطاع الیوم ان یشغل بعض المناصب السیاسیة في العراق.
وشهد سقوط نظام صدام عودة مجامیع المعارضة العراقیة وبضمنها اعضاء المجلس الأعلى وآیة الله الحكیم إلى العراق، ثم وبعد استشهاد الأخیر في 29/ 8/ 2003 بعد الفراغ من صلاة الجمعة قرب المرقد الطاهر للإمام علي (ع) في النجف الأشرف تولى أخوه السید عبد العزیز الحكیم رئاسة المجلس الأعلى.
واثناء تولي السید عبد العزیز الحكیم وتشكیل الحكومة والدولة العراقیة الجدیدة تمكن المجلس الأعلى في أول انتخابات برلمانیة من تعیین 6 محافظین و4 وزراء من كتلته، ثم ونظراً لسقوط نظام صدام حذف المجلس الأعلى للثورة الإسلامیة في العراق مفردة (الثورة) لیصبح عنوانه الجدید: المجلس الإسلامي الأعلى في العراق.
وقد أدّى تدهور الحالة الصحیة لزعیم المجلس الأعلى السید عبد العزیز الحكیم اثر تعرضه لداء السرطان والاستمرار بتعاطیه العلاج على مدى ثلاث اعوام في كل من ایران والولایت المتحدة الامریكیة، إلى تراجع اداء المجلس بشكل ملحوظ، ثم وبرحیل السید عبد العزیز اشرف المجلس على السقوط لیخسر في انتخابات 2009 و2010 ما حققه في الانتخابات السابقة ویكتفي في انتخابات 2010 ب 16 عضو برلماني فقط.
وعلى أثر رحیل السید عبد العزیز الحكیم تولى ابنه الأكبر السید عمار الحكیم زعامة المجلس، ونظراً لنتائج الانتخابات وما تنطوي علیه من أهمیة شرع بالعدید من محاولات التجدید وایجاد تغییر بنیوي في جسد المجلس استهدف من خلاله اعادة هیكلة وحداته واضفاء الطابع المؤسسي على معظم نشاطاته لكسب ثقة الشباب العراقي الذي یؤلف 60 بالمائة من مجموع السكان البالغ حوالي 30 ملیون نسمة.
اللجوء إلى غرف الفكر، وتوظیف الشباب واعتماد الكوادر الشابة كبدیل عن الكوادر المؤسسة المتقدمة في العمر، وتوثیق العلاقات بالطوائف الدینیة والمذهبیة العراقیة الأخرى عبر استخدام الحوار المتمدن والخطاب المعتدل هي من أبرز نشاطات المجلس الأعلى التي قام بها السید عمار الحكیم لیعید إلى المجلس مكانته ویمكنه من المسك بزمام المبادرة مرة أخرى.
هذه النشاطات اتاحت للمجلس احراز مناصب مهمة في انتخابات 2013 في محافظتي البصرة والكوت ومناصب أدنى في محافظتي المثنى والقادسیة، واعید هذا السیناریو في الانتخابات النیابیة لعام 2014 عبر احراز 31 كرسي برلماني وثلاث وزارات ومعاونیة وزارة التجارة.
غیر أن هذه التدابیر التي اتخذها السید عمار لم ترق لبعض الكوادر التأسیسیة التي بدأت بالتدریج تشق لنفسها مساراً مختلفاً عن مسار رئاسة المجلس وبذرائع مختلفة كضرورة حفظ مكانة الكادر التأسیسي واشراكه في المناصب الحكومیة بدلاً عن الكوادر الشابة.
واستمرت وتیرة المعارضة عبر عقد اجتماعات وتشكیل تیارات مختلفة لممارسة الضغط بغیة العزوف عن التغییر المزمع ایجاده من قبل السید عمار الأمر الذي أدى إلى تقدیم الأخیر استقالته في المؤتمر العام للمجلس والتي لم یتم الموافقة علیها مما حداه لقبولها بشرط الاستمرار بسیاسة اعتماد الكوادر الشابة.
وبالرغم من الموافقة على شروط السید عمار إلاّ أن مساعي الاعتراض والمناوئة لم تتوقف لدرجة أنّها بدأت تتسرب إلى الصحافة العراقیة وبدا واضحاً أن ما تم الاتفاق علیه من شروط قد تم الاخلال به.
ونظراً لدمج انتخابات البرلمان ومجالس المحافظات في عام 2018 بسبب الكلف المالیة العالیة والوضع الاقتصادي الذي یمر به البلد، وأهمیة التحضیر والاستعداد المسبق لاحراز الفوز في كلیهما ونظراً للمشاكل والخلافات التي عصفت بالمجلس، قرر السید عمار الحكیم في نهایة المطاف تأسیس تیار الحكمة العراقي.
وبحسب بعض المؤسسات فإن الكلفة المباشرة للانتخابات الواحدة في العراق تساوي 521 ملیار دینار عراقي أي ما یعادل 80 ملیون دولار أمریكي، أما الكلفة غیر المباشرة فغیر قابلة للحصر.
وفي إطار حدیثه عن اهداف وسیاسات تیار الحكمة، صرح مصدر قریب من الحدث العراقي بأن توجهات تیار الحكمة الوطني قریبة جداً من توجهات المجلس الأعلى لكن باختلاف بسیط وهو اعتماده الكوادر الشابة بدلاً عن اشخاص تجاوزت اعمارهم الـ 70 عاماً وفقدوا جمهورهم في الساحة العراقیة.
مضیفاً أن الأحزاب الشیعیة الرئیسة في العراق كحزب الدعوة والتیار الصدري تنضوي تحتها كتل متعددة، فما الذي یمنع أن یضم تیار شهید المحراب إلى كنفه كل من المجلس الأعلى وتیار الحكمة.
یشار إلى أنه باعلان تیار الحكمة تیاراً سیاسیاً عراقیاً ابدى 26 عضواً من مجموع 31 عضو من اعضاء كتلة المواطن استعدادهم للانضمام لهذا التیار.
وما علینا سوى الجلوس ومراقبة نتائج الانتخابات القادمة في 30 مارس 2018 لنرى لصالح من یا ترى ستمیل كفة النتائج وأیهما أكثر حضوراً في الساحة العراقیة، المجلس الأعلى أم تیار الحكمة؟
داوود بورصحت
الخبیر في الشأن العراقي ـ وكالة ایرنا