الموناليزا .. غموض واسرار وروعة الابداع
(last modified Sat, 12 Dec 2015 07:52:41 GMT )
Dec ١٢, ٢٠١٥ ٠٧:٥٢ UTC
  • ظلت السيدة المرسومة في اللوحة سراً حتى اليوم، فلا أحد يعرف على وجه التحديد من هي!
    ظلت السيدة المرسومة في اللوحة سراً حتى اليوم، فلا أحد يعرف على وجه التحديد من هي!

لم تحظ َ لوحة رسم باهتمام وشهرة في العالم بقدر ما حظيت لوحة "الموناليزا " بالإنجليزية Mona Lisa)) أو "جيوكاندا" بالإنجليزية Gioconda) وهي لوحة رسمها الإيطالي ليوناردو دا فينشي ويعتبرها النقاد والفنانون واحدة من أحد أفضل الأعمال على مر تاريخ الرسم، قدم فيها دافنشي تقنيات رسم مبتكرة اهمها الإسقاط المتوسط الذي يجمع بين الجانب والأمام في اللوحات الشخصية الذي يعطي التجسيم للمنظور .

حجم اللوحة صغير نسبياً مقارنة مع مثيلاتها حيث يبلغ 77*53 سم أو 30 إنشاً ارتفاعاً و 21 إنشاً عرضاً.

* غموض الشخصية

وربما تكمن اهمية الموناليزا في مميزاتها الخاصة بالرسم وتقنياته من جانب وما تضمنته من غموض في صورة السيدة موضوع الرسم، وما واحاط بهذه اللوحة من اسرار وما جرى عليها من بحوث ودراسات.

فاللوحة كانت مرحلة جديدة في تقنية الرسم من جانبين الامامي والجانبي "الاسقاط المتوسط" وهي تقنية لم يسبق دافنشي رسام اليها، فقد كانت اللوحات الشخصية ترسم اما من الجانب وتفتقد الى العمق الواضح الذي يمنح اللوحة التجسيم من خلال البعد الثالث(العمق)، واما من الامام وهو يفتقد الى العمق ايضاً، فجاءت الموناليزا بوصفها ثورة في تقنية رسم اللوحات الشخصية جعلت العمق واضحاً والرسم مجسماً.

ومن مميزات اللوحة حداثتها في زمنها من خلال تقنية تداخل حدود الالوان واختفائها بين كثير من الكتل اللونية في اللوحة وهو ما يعرف بالضبابية فلم تكن هذه التقنية موجودة قبل الموناليزا وكانت لوحات الرسم ذات خطوط واضحة دقيقة مميزة بين الكتل اللونية. فالناظر للوحة يجد ان ملابس الموناليزا متداخلة الالوان وضبابية غير صريحة وهذه التقنية منحت اللوحة غموضاً ينسجم مع غموض الشخصية وغموض ابتسامتها المشهورة، كذلك نلاحظ هذه التقنية في بعض الكتل اللونية في خلفية اللوحة الطبيعية التي يصفها البعض بالمخيفة، حيث اكتسبت الخلفية من خلال هذه التقنية، العمق ويلاحظ الناظر انه كلما ابتعدت مكونات الخلفية صارت اكثر ضبابية وبالعكس بالنسبة لمكوناتها القريبة الاكثر دقة والاوضح تفاصيل، وهذه التقنية جعلت من الخلفية اكثر واقعية ومكنت الرسام من دمج خلفيتين مختلفتين تماماً يستحيل الجمع بينها في الواقع، فالخلفية على يمين السيدة تختلف في الميل والعمق وخط الأفق عن الخلفية التي على اليسار، بحيث تظهر كل خلفية وكأنها رسمت من ارتفاعات إفقية مختلفة للرسام.

وفى الموناليزا نجد ان البناء الهرمى للوحة هو من إبتكار جديد ايضاً لدافنشى وكانت بمثابة ثورة في ذلك الوقت حيث نلاحظ ان قاعدة الهرم عند اليدين فيما يشكل الرأس والكتفان، رأس الهرم وهذا اسلوب في الرسم لم يكن موجودا من قبل. وهذه الزاوية اعطت لدافنشى فرصة اكبر لاهتمام بتفاصيل المنظر الطبيعي الموجود بالخلف لتعطي واقعية أكثر للوحة و قُلد هذا الاسلوب من قبل أعظم فناني إيطاليا الذين عاصروا دافنشي وعلى رأسهم "رافئيل".

اما غموض اللوحة فيتجلى في ابتسامة السيدة وهي الابتسامة التي حيرت الكثيرين ويقال ان دافنشي كان يستأجر مهرجاً للسيدة طيلة فترة الرسم ليحافظ على هذه الابتسامة الغامضة. ومن مميزات شكل السيدة نظرتها التي لا تختلف بالنسبة لعين الناظر من اي زاوية يقف فيها ازاء اللوحة فالسيدة تنظر الى الناظر للوحة بزاوية نظر 30 درجة من اي زاوية ينظر اليها. وقد اختلف النقاد والمحللون في تفسير تلك الابتسامة، وتعددت الآراء في سرها، ابتداءً من ابتسامة أم دافنشي وانتهاءً بعقدة جنسية مكبوته لديه، وعن هذه الابتسامة قيل ايضاً ان السيدة ذات ابتسامتين فعندما يكون الناظر سعيداً يراها سعيدة وعندما يكون حزينا يراها حزينة وهذا احد اسرار ابتسامتها.

اما ما يخص السيدة موضوع الرسم او اللوحة (الموناليزا) فهي ايضاً غير معروفة على وجه التحديد وجرت حولها بحوث وتحقيقات مختلفة، وظلت السيدة المرسومة في اللوحة سراً حتى اليوم، فلا أحد يعرف على وجه التحديد من هي!

فقد قيل ان دافنشي رسم اللوحة في عام 1503 م، وانتهى منها جزئياً بعد ثلاث أو أربع سنوات ويقال أنها لسيدة إيطالية تدعى مادونا ليزا دي أنتونيو ماريا جيرارديني زوجة التاجر الفلورنسي فرانشيسكو جوكوندو صديق دافنشى الذي طلب منه رسم اللوحة لزوجته عام 1503، ولكن السيدة ليزا لم تكن تحبّ زوجها, الذي كان متزوجاً من اثنتين قبلها، لأن الرجل الذي أحبته قد تُوفى. وادعى البعض أنها والدته، والبعض الآخر يقول أنها من نسج خياله، أو امرأة عابرة ألهمت خياله.

أما بعض المؤرخين فيدعمون نظرية زوجة التاجر، فقد ظل المؤرخ الإيطالي جوزيبي بالانتي يبحث في لغز الموناليزا قرابة 25 عاماً، بحث خلالها عن وثائق وشهادات زواج تمت في هذا الوقت، حتى توصل إلى أن الموناليزا كانت شخصية حقيقية عاصرت دافنشي وعرفها جيداً، وكانت زوجة أحد تجار الحرير الإيطاليين "فرانسيسكو ديل جيوكوندو" الذي كان على علاقة وطيدة جداً بليوناردو دافنشي. يقال أن فرانسيسكو كان صديقا مقربا لليوناردو وقد طلب منه رسم لوحة لزوجته، وهو ما فعله دافنشي، إلا أن الغريب في الأمر أن فرانسيسكو لم يستلم اللوحة فيما بعد. رغم وجود الوثائق التي تدل على وجود الموناليزا ومعرفتها بليوناردو، إلا أنها لا تثبت أنها السيدة الموجودة في اللوحة، ولا يُوجد إثبات واضح على هذا حتى الآن، و بالتالي تظل الشكوك قائمة حول هويتها الحقيقية.

* اسرار اللوحة

اما عن اسرار اللوحة فقد اكتشف بعضها ومنها ما لم يتكشف مثل وجه الموناليزا حيث ان البعض لاحظ ان لوجهها اضاءتان وهو فنياً خطأ كبير لا يمكن ان يقع فيه فنان اسطوري مثل دافنشي!

اما تقاسيم وجه الموناليزا فهي تشبه الى حد بعيد تقاسيم وجه دافنشي نفسه. وعن خلفية اللوحة واسرارها قيل ان اللوحة فيها ثلاث خلفيات من ثلاث مناطق.

وعن الاسرار المتكشفة بالتقنيات الحديثة مؤخراً، وجود صورة امرأة اخرى خلف الموناليزا، وهو ما توصل اليه عالم فرنسي باستخدام تكنولوجيا تعتمد انعكاس الضوء.

فقد قضى العالم الفرنسي باسكال سكوت ما يقارب 10 سنوات يستخدم تلك التكنولوجيا في تحليل اللوحةويزعم انه اكتشف صورة اولى مرسومة تحت سطح اللوحة،وتظهر عملية تحليل اللوحة وجود صورة لامرأة أخرى تجلس ناظرة إلى أحد الجوانب.

وبدلا من النظرة الشهيرة والمباشرة التي تميز لوحة الموناليزا المعلقة في متحف اللوفر في باريس، لا تظهر الصورة الخفية أي أثر للابتسامة الغامضة التي حيرت محبي الفنون لأكثر من 500 عام.

لكن الآراء تباينت بشأن مزاعم سكوت، وانقسم خبراء فن ليوناردو دافنشي بين مؤيد ومعارض.

واستطاع العالم، وهو مؤسس مشارك للتكنولوجيا الضوئية في باريس، فحص اللوحة في عام 2004 بإذن من متحف اللوفر. ويعد سكوت رائدا في استخدام تقنية تعرف باسم "طريقة تكبير الأسطح" وهي التي استخدمت في تحليل لوحة الموناليزا.

وقال سكوت إن هذه التقنية تعمل بناء على "إسقاط حزمة من الضوء المكثف" على اللوحة، ثم تسجل كاميرا قياسات انعكاس الضوء، وبناء على هذه القياسات استطاع تحليل ما حدث بين طبقات اللوحة.