ولادة الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الإمامة وظيفة إلهية اقتضت حكمة الله تعالى أن يكمل بها رسالات الأنبياء على ذات المسيرة التي بلّغ الله بها أنبياءَه. وكما أن الرسالة السماوية لم يكن للناس الخيره في اختيارها أو اختيار النبي المؤهل للقيام بتبليغها. وإنّما ذلك شأن من شؤون الله تعالى فيما يرى فيه المصلحة لعباده.
ونظرة الناس القاصره لا تكون مساويه لنظرة الله في الاختيار وإخراج الناس من الضلالة والجهل إلى نور الهداية. فبالإضافةِ إلى قدرة الله ورأفته بعباده أن الأوامر الإلهية ناظره إلى حياة المكلفين وما يأخذ بأيديهم إلى نور الهداية.
فالرسول محمد (ص) لم يكلفه الله بالرسالة بناء على اختيار قريشَ وموافقتهم على رسالته بل بالعكس تفننوا في عدائهم وايذائهم للرسول للوقوف بوجهه وهجرهم له في شَعب أبي طالب يفصح عن روح العداء والبغض له ولرسالته، وحياة الرسول المليئه بالجهاد والمعاناة فيحتاج بعده إلى مَنْ يخلفه برسالته بنفس الروح والجهاد الإيماني لكي تَستمر مسيرتهُ على نفس الأبعاد والمعطيات. ولذا تراه (ص) بلّغ أمر السماء بمن يخلفه بروح إيمانيّه وجهاديّه بعيده عن الانحراف وحب الأنا ـ التي يصفها علماء النفس بأنها من أخطر الأمراض التي تعصف بعقيدة الإنسان.
كما أنّ الرسول الأكرم (ص) لم يبلغ بالإمامة انطلاقاً من حبّهِ للإمام علي عليه السلام أو تقديره لجهاده وتضحياته وإنما انطلق في تبليغه من أمر إلهي (يا أيها النبيّ بلّغ ما أنزل إليك من ربّك).
كما أن للرسول الأكرم نصوصاً عديدة تضمنت تبليغه لرسالته والنص على الأئمة من بعده فقد قال (ص): أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي فإني سألت الله عز وجل أن لا يفرّق بينهما حتى يوردهما عليَّ الحوض فأعطاني ذلك. فإنهم لن يخرجوكم من هدىً ولن يدخلوكم في ضلاله.
وقد أكّدت الآيات القرآنية وأقوال الرسول (ص) أن الأئمة هم من ولد عليّ ٍ وفاطمة وكل منهم يوصي الذي يأتي بعده ويعطيه مواريث الإمامة ودليل الإمامة هو قول الرسول (ص) بشأن الحسنين(ع): هذان ولداي إمامان إن قاما أو قعدا.
الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام هو الإمام الثامن من أئمة اهل البيت (عليهم السلام ) حجة الحق والخليفة على عامة الخلق، الناهج في مناهج القضاء علي الثالث من العليين الأربعة أبي الحسن علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . فنسبه (ع) من نسب والده الإمام العظيم (ع) منتهياً بأبي الحسن علي بن أبي طالب (ع) وبالنبي الأكرم محمد (ص).
أما أمه فهي أم ولد، وهذا اللقب كان يطلق على الجارية التي تحمل وتلد من سيدها ومالكها، وكان يمنع بيعها بعد الولاده وتصبح حرة، لا تباع بعد وفاة مالكها.
ولد الإمام علي بن موسى الرضا (ع) في المدينة المنورة يوم الجمعة، وقيل الخميس الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام من سنة ثمان وأربعين ومائة للهجرة النبوية الشريفة.
أما كنيته، فهي ككنية جده أمير المؤمنين (ع) (أبو الحسن)، ولهذا يعرف الإمام الرضا عليه السلام بأبي الحسن الثاني.
عاش الإمام الرضا (ع) أربعاً وخمسين سنة وأشهراً على المشهور، وعلى ما هو مشهوراً أيضاً فإنه (ع) ولد في السنة التي استشهد فيها جده الإمام الصادق (ع) وعاش (ع) مع أبيه الإمام موسى بن جعفر (ع) ما يقرب من أربعة وثلاثين سنة، وكانت مدة إمامته وخلافته بعد أبيه ما يقرب من عشرين سنة.
عاصر الامام (ع) بقية حكم هارون العباسي عشر سنين وخمسة وعشرين يوماً، ومن بعده ابنه محمد بن هارون المعروف بالأمين وهو ابن زبيدة، ثلاث سنين وخمسة وعشرين يوماً، خُلع بعدها وأجلس مكانه عمه ابراهيم أربعة عشر يوماً، ثم خرج محمد بن زبيدة من السجن بعدها، وبويع ثانيةً، فملك سنه وستة أشهر وثلاث وعشرين يوماً، ثم تغلب عليه وقتله أخوه ابن الجارية عبدالله المأمون الذي ملك عشرين سنة وثلاث وعشرين يوماً، والذي أنتهت حياة الإمام الرضا (ع) وإمامته في عهد المأمون، بعد مضي خمس سنوات من حكمه.
ومن زهده عليه السلام أن جلوسه في الصيف على حصير، وفي الشتاء على مسح، ولبسه الغليظ من الثياب، فإذا برز للناس تزين لهم بأزين اللباس، وكان كل كلامه (ع) وجوابه وتمثاله انتزاعات من القرآن واقتباس من آياته، وكان (ع) يختمه في كل ثلاثة أيام مرة ويقول : لو أردت أن أختمه في أقل من ثلاث أيام لختمته، لكنني ما مررت بأيه قط، الا تفكرت فيها وفي أي شيئ نزلت، وفي أي وقت، فلذلك صرت أختمه في كل ثلاث أيام مرة.
ومن عبادته (ع) ما رواه عبدالسلام بن صالح الهروي قال : جئت إلى باب الدار التي حبس فيها أبو الحسن الرضا (ع) بسرخس ، فاستأذنت عليه السجان فقال : لا سبيل لك عليه : فقلت ولِم ؟ فقال :لأنه ربما صلى يومه وليلته ألف ركعة ، وإنما ينفتل من صلاته ساعة في صدر النهار وقبل الزوال وعند أصفرار الشمس ، فهو في هذه الأوقات يناجي ربه .
وكان عليه السلام كثير الصيام ولا يفوته صيام ثلاثة في الشهر، ويقول (ع) ذلك صوم الدهر، وكان (ع) كثير المعروف والصدقة في السر واكثر ذلك في اليالي المظلمة، فمن رأى مثله فلا تصدقوه. وناهيك بها من خصال شريفه، وخلال طريفه، وصفات منيفة فيه (ع) وأباؤه الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام، لابد أن يكونوا أحسن الناس خَلقاً وخُلقاً، واظهرهم فرعاً وعرقاً.
استشهاده عليه السلام:
من أسباب اعطاء المأمون ولاية العهد للإمام الرضا (ع) هي لتدبير خطة لتصفية الإمام جسدياً. دون ان يساور احدأ الشك بدوره (لعنه الله) فيها ودون أن يظن أحد أنه هو السبب في مقتل الامام (ع) ذلك لأن المأمون يعرف مكانة الإمام الرضا (ع) والبيت العلوي في نفوس الناس. وأراد في الوقت نفسه أن يتم الأمر بعيداً عن مقر حكمه (( طوس )) لكثرة ما بها من شيعة الإمام واتباعه، فاشخص الإمام (ع) مع رئيس قافلة ، وأمر رئيسها بعدم المرور على الكوفة وقم لكثرة ما بها من الشيعة ، وقرر المأمون على اغتيال الإمام (ع) أثناء إنتقاله من طوس إلى بغداد ، فلما وصل إلى قرية "سنباد" وهي قريبة من رستاق (( نوقان )) على مسيرة يوم من طوس وفيها قبر أبيه هارون توقف لتنفيد خطته.
واوعز لغلام له أسمه عبدالله بن بشير ان يسم الإمام بعنب وحبات رمان، ثم يقدمها للإمام (ع) ليأكلها واوصاه أن يجعل السم تحت أظفاره ثم يحوله إلى كفه، ثم يفرك بكفه حبات الرمان ويناولها الإمام (ع) بمرأ من حضار المجلس، لكي لا يتهمه احد بانه هو قاتل الإمام (ع) كما أوصاه أيضاً بأن يغمس سلكاً بالسم ثم يدخله في حبات العنب من الطرف إلى الطرف بابرة ويقدم من ذلك العنب إلى الإمام أيضاً امام أمام أنظار الناس.
فلما اعدَّ عبدالله بن بشر ذلك وحدد المأمون اليوم لاغتيال الإمام (ع) بعث للإمام (ع) وحضر للمجلس، وقدم له العنب والرمان المسمومين، فامتنع الإمام عن الأكل واستعفى المأمونَ من ذلك، ولكن المأمون أصر أصراراً شديداً وقال للإمام (ع) لابد لك من الله، فلعلك تتهمنا بشيئ. فتناول الإمام (ع) من العنقود ثلاث حبات ثم رمى به وقام فقال إلى أين يا بن العم فقال (ع) : إلى حيث وجهتني. وخرج (ع) مغطى الرأس، حتى دخل داره وامر بسد أبوابها فأغلقت، ولم يكن في الدار غير خادمة ابي الصلت الهروي (رض) فلم يلبث إلا يومين استشهد بعدهما (ع) في بلاد الغربة في تلك القرية وحيداً غريباَ مسموماً، وكان استشهاده اخر شهر صفر في رواية من سنة ثلاث ومئتين للهجرة النبوية الشريفة.
وعلمت الشيعة بذلك فاجتمعوا لتشييع الإمام (ع)
ثم ان الإمام (ع) غسل وكفن وصلى عليه من يعلم الله - وهو الإمام الجواد (ع) في جوف الليل ثم أمر المأمون بدفن الإمام (ع) بجوار قبر أبيه، بحيث يكون قبر أبيه امام قبر الإمام (ع) فلم تؤثر المعاول ولم تحفر شيئاً، فتعجب المأمون في ذلك واستدعى احد مقربي الإمام (ع) وكان يدعى هرثمة الذي كان الإمام (ع) يسر له بكثير من المغيبات، فاقترح هرثمه ان يجعل قبر الإمام أمام قبر هارون ففعلوا ذلك.
زيارة الامام الرضا عليه السلام:
السَّلامُ عَلَيْكَ ياوَلِيَّ الله السَّلامُ عَلَيْكَ ياحُجَّةَ الله السَّلامُ عَلَيْكَ يانُورَ اللهِ فِي ظُلُماتِ الاَرْضِ السَّلامُ عَلَيْكَ ياعَمُودَ الدِّينِ، السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ الله السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ الله السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ إِبْراهِيمَ خَلِيلِ الله السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ إِسْماعِيلَ ذَبِيحِ اللهِ السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ مُوسى كَلِيمِ الله السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ عِيسى رُوحِ الله السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ الله السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ وَلِيِّ الله وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ العالَمِينَ السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ الحَسَنِ وَالحُسّيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ أَهْلِ الجَنَّةِ السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ زَيْنِ العابِدِينَ السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ باقِرِ عِلْمِ الأوّلِينَ وَالآخِرِينَ السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ البارِّ السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ مُوسى بْن جَعْفَرٍ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها الصِّدِيقُ الشَّهِيدُ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها الوَصِيُّ البارُّ التَّقِيُّ، أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلاةَ وَآتَيْتَ الزَّكاةَ وَأَمَرْتَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ المُنْكَرِ وَعَبَدْتَ الله حَتّى أَتاكَ اليَقِينُ، السَّلامُ عَلَيْكَ ياأَبا الحَسَنِ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ.