روحاني: مستعدون للتعاون الشامل ونؤكد تضامننا مع الروهينغا
-
الرئيس حسن روحاني في قمة منظمة التعاون الإسلامية
أعلن الرئيس حسن روحاني في كلمة له في قمة منظمة التعاون الإسلامية عن استعداد الجمهورية الإسلامية للتعاون الشامل مع الدول الإسلامية على جميع الأصعدة العلمية والتقنية، فيما اعتبر أن تدهور الحضارة الإسلامية بدأ عندما حل التعصب القومي والوطني في قلوب ابناءها.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة الرئيس حسن روحاني:
فخامة الرئيس نورسلطان نظربايف... رئيس جمهورية كازاخستان الشقيقة
رؤساءالبلدان الإسلامية الموقرين... سعادة الأمين العام
السيدات و السادة
بداية أود ان اتقدم بجزيل الشكر الى جمهورية كازاخستان حكومة وشعبا على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال كما ولابد لي ان اشكر فخامة الرئيس نظربايف، رئيس جمهورية كازاخستان المحترم لإطلاق هذه المبادرة وإقامة هذه القمة متمنيا أن تؤدي هذه القمة التي انطلقت بشعار «العلم والتقنية والتحديث في العالم الإسلامي» في مدينة أستانا الجميلة، وبجانب الجهود الثمينة الأخرى، إلى تنمية التعاون البناء بين البلدان الإسلامية على مختلف الأصعدة.
السيد الرئيس...
اننا متفقون على أن العالم الإسلامي جزءٌ هام ومؤثر في المنظومة العالمية حيث أن قوته وتطوره واستقراره يؤدي إلى تطورالعالم واستقراره ومن البديهي ان نقول ان في ضعف العالم الاسلامي وتأخره لا يمكن للعالم ان ينعم بالسلام المستدام والتقارب والتعاون المؤثر. فوحدة الكلمة، والتعاضد والتعاون بيننا بصفتنا أعضاء العالم الإسلامي العظيم للدخول في عالم التنمية ليس إلا جهداً مشتركا لإقامة عالمٍ بعيدٍ عن الجهل والفقر والحرب والعنف.
إن التعاون في مجال العلوم والتقنية له أثرٌ مساعد في تنمية القطاعات الاقتصادية المختلفة ويعتبر دوره حاسما لنموّ البلدان الإسلامية وتضامنها كما أنّ له علاقة بالشباب والجامعات ويقضي على التوجه نحو التطرّف والإرهاب بخلق اجواء الأمل والبناء والعمل فهو يحظى بأهمية سياسية واجتماعية واستراتيجية.
ان تبادل الأفكار بين رؤساء البلدان الإسلامية في هذا الموضوع وفي الوقت الراهن يحظي بأهمية خاصة لسببين: الأول بسبب التطور العظيم الذي حصل في عصر التواصل والاتصالات حيث وفر امكانية تناول المعطيات العلمية والتعاون التقني دون حدود. إلى جانب ظهور علماء ومبدعين من البلدان الآسيوية والأفريقية الذين خصصوا حصة لأنفسهم في نموّهم المتزايد في تسجيل الاختراعات والبحوث العلمية. السبب الثاني أن إرشاد وإدارة «الثورة الصناعية الرابعة» - التي تمثل ثورة في التقنية والتغييرات الأساسية بين الإنسان والذكاء الاصطناعي وعلاقات الإنسان في البنى الاجتماعية الجديدة – تحتاج إلى ثقافة متمكنة من جذب المقومات المتغيرة للتقنية وبيئتها وأن تكون كالحضارة الإسلامية التي استفادت من العلوم و التقنية في الحضارات الإنسانية الأخرى وأوجدت التعاون والتقارب بين مختلف الشرائح البشرية.
الإسلام في أوانه السابق، كان يعيش عصر الإزدهار العلمي والثقافي والحضاري، فلا يمكن اليوم يمضي نحو الإبداع والإبتكار والنمو إلى جانب العقلانية والأخلاق و يوجد عالماً خالٍ من العنف والتطرف؟
السيدات و السادة
أنا فخور بأني امثل شعباً كان في عصرَي الحضارة، ما قبل الإسلام وبعده رائداً في مجال العلم والثقافة في التاريخ البشري. كانت إيران في العصر الإخميني والساساني حاضنة للعلم والثقافة وقاعدة لنشر العلم والأدب والإدارة في العالم.
الروح الإيرانية وفرت مجالا سياسيا واجتماعيا قائما على الأخلاق والحقوق الإنسانية فمهدت بذلك استقطاب اهل العلم والتجارة والعمارة من كل العالم ووفرت الأرضية لإبداع المظاهر النيرة للحضارة الإنسانية المتمثلة في برسبوليس وخزائن العلوم والفنون في مكتبات آسيا.
بمطلع شمس الإسلام، بدأ المجتمع الإيراني قفزة جديدة بتلبية الرسالة السماوية المتضمنة للحرية والعدالة وفي هذه الفترة البهية، كان الإيرانيون إلى جانب الشعوب المسلمة الأخرى لم ينهلوا من معارف الوحي فحسب، بل قاموا بالتدبر والتعقل تاسيا بالتعاليم الدينية واكتسبوا تجارب الأمم الأخرى.
منذ بداية تكوين الحضارة الإسلامية أقبل المسلمون على تعلم المعارف المختلفة من كل أنحاء العالم متأثرين بالتعاليم القرآنية والنبوية الشريف والعامل الذي أدى بهم إلى تطورات مادية في هذه الفترة ما كان إلا روح التساهل والتسامح المنبثقة عن المعارف الدينية الصريحة التي حلت مكان روح العصبية السابقة.
إحدى جوانب هذا التسامح في العالم الإسلامي يتمثل في توفير الحريةُ لذوي الديانات الأخرى في المجتمع الإسلامي حيث وفر لهم هذا التسامح وسعة الصدر فرصة لم يمانع من المناظرات الدينية والعقدية بل مهد الطريق لمشاركة اتباع الديانات الأخرى للتعاون في تنمية الحضارة الانسانية وتوسيعها وترجمة علوم الحضارات الأخرى ونقلها إلى اللغة العربية التي كانت لغة العلم آنذاك. وأصبحت الحضارة الإسلامية وارثا ومهندسا لثقافة الغرب والشرق القديمة. إنها لم تتبع الثقافات السابقة بل كانت مكملة لها.
وبهذا المنهج وبهذه الروح توصلت الحضارة الإسلامية إلى ذلك الإزدهار والحيوية حيث أخذت قصب السبق في مجالات العلوم المختلفة كالطب، والصيدلة، والنجوم، والرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، والجغرافيا، والفلسفة والكلام، والعرفان، والأدب والفن في ذلك الوقت بحيث كان الغرب مديناً لهذه الحضارة في جزء من هذه العلوم اثناء القرون الوسطي حتى القرن السادس عشر الميلادي.
لكن الحقيقة المرة أن عصر الإزدهار والتطور هذا لم يدم طويلا وقد توقف المجتمع الإسلامي في القرون الأخيرة عن الحراك والإنتاج وتخلف عن سباق العلم والتقنية في تعاطيه مع الثقافة الغربية. إن جمود وتدهور الحضارة الإسلامية بدأ عندما حل التعصب القومي والوطني في قلوب ابناءه وعندئذٍ اندثرت الوحدة والتسامح اللذان كان يتمتع بهما. إنّ تقسيم العلم إلى مذموم ومحمود في بداية القرن السادس الهجري كان سبباً لإنحسار الحضارة الإسلامية وقد عزز الغزو المغولي هذا الأفول. إن ضعف المسلمين وتباطؤهم في القرون الأخيرة، لم يصرفهم عن التطور فحسب، بل جعلهم يعجزون عن حفظ ما كانوا يمتلكونه. في الواقع هناك عاملان سببا تباطؤ هذه التنمية والتطور الحديث للحضارة الإسلامية وربما أوقفاها. أحدهما تزامن الإزدهار العلمي والتقني في الغرب مع الإجراءات السياسية والثقافية السلطوية لدى الحكام الغربيين والثاني ضعف الحكام في البلدان الإسلامية وإنبهار بعض نخب المسلمين.
اليوم الأمة الإسلامية ولمرة أخرى تواجه مرحلة جديدة من قفزات الحضارة الإنسانية وعلى عتبة تطورات عظيمة للاقتصاد المعرفي وهي أمام خيار تاريخي. الخيار بين «الاتجاه الفاعل والأصيل الداعي للمشاركة» والذي يقوم بالتعامل البناء والاستزادة من تجارب الآخرين وانجازاتهم مع احتفاظه بمقوماته الثقافية الأصيلة، أو «الاتجاه المنفعل» الذي يؤدي إلى الإنعزال في حالة التزمت والتطرف، و إلى الانبهار في حالة التساهل والتفريط.
ينبغي أن يحلَّ محلَّ خشية التنمية المتزايدة للعلم والتقنية والهروب منها، زيادة قوة الخيار وتكييف المجتمعات الإسلامية. من ضروريات تنمية العلوم والفنون الحديثة الهامة لنا هي تمهيد الظروف الآمنة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية لجذب هذه العلوم واستيعابها وأن لا نكتفي بالعلوم والتقنيات، بل علينا البحث عن الاستراتيجيات وطرق الوصول إليها.
سيادة الرئيس، سيداتي سادتي
نحن البلدان الإسلامية، كي نكون أصحاب علم وفن، علينا ان نقوم بتفعيل هذا الهدف لمجتمعاتنا في الداخل وأن نخطط لخطوات جديدة في هذا المجال في مجموعة البلدان الإسلامية.
ان كلا منا في بلداننا قد فكر - من منطلق القلق والشفقة - في التساؤل الناتج عن علاقة العلم بالتطور الاقتصادي والاجتماعي، والآن ونحن عازمون على معاضدة بعضنا بخلق اجواء التعاون، فإن الخطوة الأولى هي الإطلاع على تجارب بعضنا والاستزادة من انجازات هذه العائلة الإسلامية العظمي.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية في السنين العشرة الأخيرة شهدت انجازات هامة في مجال العلم والتقنية والإبداع. وفي السنوات الخمس الأخيرة ارتقي مركز ايران في إنتاج المقالات العلمية من المركز الـ 34 (الرابع والثلاثين)إلي المركز الـ 16 (السادس عشر). وتمكنت البلاد من زيادة عدد قبول الطلبة المتحمسين للدراسات العليا في 1100 جامعة إيرانية حيث ارتقى عدد الدارسين من مليونين و 400 الف خريج، إلى 4 ملايين و 800 ألف خريج جامعي. وقد درجت إيران ضمن 5 بلدان ذات الأكثر خريجين في مجال الهندسة.
ازدادت مشاركه إيران بشكل لافت في تطوير التقنيات الجديد كالنانو والتقنية الحيوية والعلوم المعرفية والطاقات المتجددة، والطيران والفضاء، والألكترونيات الدقيقة، والخلايا الجذعية. سياسة الحكومة الناشطة في دعم المؤسسات المعرفية أدت إلى تكوين ونمو آلاف الشريكات في مجال التقنيات الحديثة وقفزت بثمن تصدير التقنية المتوسطة والفائقة في إيران من 1.5 مليار دولار، إلي 12.1 والذي كان له دوراً هاماً في ايجاب الميزان التجاري في البلاد. سياستنا هي أن نتحول من الاقتصاد القائم على المصادر الطبيعية نحو الاقتصاد القائم على الإنتاجية والابتكار بالرغم من حيازتنا لأعظم مصادر النفط والغاز في البلاد.
مع هذه القدرات جئنا لهذه القمة باسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية لنمد ايدينا إلى البلدان الصديقة والشقيقة للسلام، وللتعايش، وللمزيد من التعاون.
جئنا لنقول اننا نستطيع ان نتابع ونخلق مجالات مشتركة لتعزيز قدراتنا ولتكوين القدرات المكملة في العالم الاسلامي وذلك بالاعتماد على الدبلوماسية العلمية والعلوم والتقنية.
سيادة الرئيس
إن دخول البلدان الإسلامية بقوة في مجال المنافسة ومشاركتها في ميدان المعارف والتقنيات الحديثة وأداء الدور البناء في تكوين مستقبل علاقات الثروة والقدرة في المجتمع الدولي، يحتاج إلى وضع السياسات اللازمة وترتيب الأولويات على المستوى القومي والدولي. إن الأولويات الإثناعشر التي ادرجت في وثيقة برنامج 2026 لهذه القمة، تبرز نقاط هامة. في هذا السياق إن لـ «المؤثر الإنساني ورأس المال الاجتماعي» دورٌ محوري لأن الشعوب تمثل أهم رأس مال ورصيد لنا في هذا المجال. لابد أن ترى الشعوب إن تمويلنا في المعرفة والتقنية قد أثمر وأدى إلى استئصال الفقر وتحسين صحتها وزيادة رفاهياتها.
السيد الرئيس، رؤساء البلدان المحترمين، سيداتي ، سادتي
هذه القمة بإمكانها أن تكون منعطفا في تاريخ التعاون العلمي في العالم الإسلامي.
لنأتي بعيداً عن الخلافات التي يحيكها أعداء الاسلام والقوى الداعية للحروب الذين يرون مصالحهم في ابتعادنا عن بعضنا البعض تعالوا لنفتتح مجالات جديدة للتعاون العملي والتقني لتحديث بلداننا اكثر فأكثر. وأن نطوّر المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية في العالم الإسلامي قدر المستطاع.
وختاما وبإسم الشعب الإيراني العظيم، أعلن عن استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية للتعاون الشامل مع جميع البلدان والشعوب الإسلامية على جميع الأصعدة في مجال العلوم والتقنية، ولكن للأسف يواجه العالم الإسلامي اليوم العديد من التحديات.
جرائم الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني، جرائم المتطرفين في ميانمار ضد مسلمي الروهينغا، المآسي الإنسانية التي تتسبب بها الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق، استمرار العمليات العسكرية ضد الشعب اليمني، وهذا يستدعي الى التعاضد والاتحاد بين أبناء الأمة الإسلامية، أشد من أي وقت مضى.
لنكن على يقين أن كل خطوة نحو التضامن والتآلف لاشك ستكون مرفقة بعون الله سبحانه وتعالى الذي بشرنا «إن تنصروا الله ينصركم و يثبت اقدامكم».
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته