نظرة عابرة على القصة القصيرة في الإيران
(last modified Wed, 08 Apr 2009 05:25:12 GMT )
Apr ٠٨, ٢٠٠٩ ٠٥:٢٥ UTC
  • نظرة عابرة على القصة القصيرة في الإيران

ظهرت القصة القصيرة متأخرة في إيران نظرا لتأخر ترجمتها عن اللغات الأوربية، وتعد المجموعة القصصية (كان يا ما كان) للكاتب محمد علي جمال زاده

الكاتب رشيد يلوح ظهرت القصة القصيرة متأخرة في إيران نظرا لتأخر ترجمتها عن اللغات الأوربية، وتعد المجموعة القصصية (كان يا ما كان) للكاتب محمد علي جمال زاده أول مجموعة قصصية فارسية معاصرة، نشرت لأول مرة عام 1922م، بعده يأتي صادق هدايت الذي امتاز بغزارة أعماله وتنوعها، وقد أضاف للقصة التي أسسها جمال زادة خصائص جديدة، إلا أنه كان متأثرا بالشبهات التي يروجها الغرب حول الإسلام. ثم يأتي بزرك علوي وجلال آل أحمد الذين تأثرا بجمال زاده، وهناك محمد مسعود ومحمد علي دشتي وسعيد نفيسي وخسرو شاهاني ومحمود اعتماد زادة وسيمين دانشور. وعكست أعمال هؤلاء المبدعين وغيرهم، كل الاتجاهات والمدارس القصصية العالمية وقضايا مرحلتها التاريخية، مستخدمة عناصر الثقافة والفكر الإيراني، وبالتالي أنتجت تلك الممارسة الإبداعية روائع قصصية لازالت مشرقة في صفحة الأدب الفارسي إلى اليوم، من بين تلك التجارب، نقف مع الكاتب خسرو شاهاني (1929- 2002 )، الذي اشتغل في الصحافة منذ عام 1955 متخصصا في المقالات الساخرة والسياسية، وكتب أيضا عددا من المؤلفات الأدبية والقصص الساخرة، تميز أسلوبه القصصي بالبساطة والواقعية الإنتقادية المرة. تذكرالقارئ كتابته بأسلوب توفيق الحكيم في يومياته الساخرة، مثلا في قصته (نائب، توقيع، مكتب، ختم)، نجد حسا وصفيا انتقاديا حادا لمظاهر الهشاشة الإدارية، وذلك عندما اضطر إلى السعي للحصول على وثيقة إدارية، فوجد نفسه في دوامة من البيروقراطية الإدارية وتحت رحمة موظفين ساديين يسعدون بإذلال المواطنين. لاشك أن من أهم مميزات القصة الواقعية أنها تكشف تلك الزوايا الخفية في النفس والمجتمع، وأكثر من ذلك أنها تبرز تشابهات الشعوب، لذلك استحق الأدب العالمي المعاصر أن يوصف بـ(الأدب المعولم)، لاتقف بين حدوده إلا خطوط رقيقة وشفافة، هذا من الخلاصات التي يمكن لقارئ قصة (نائب، توقيع، مكتب، ختم) أن يصل إليها، إضافة إلى ملاحظات أخرى حول خصوصيات الإنسان الإيراني وتقديره للأحداث والوقائع، وفي ما يلي مقطع من النص: "...توهّج وجهه ناراً وقال بغضب : ـ هل أنت أطرش ؟ قلت لك: ... نائب، توقيع، مكتب، ختم. أدركت أنني لم أطرح سؤالي في الوقت المناسب، كان علي أن انتظر الى أن ينهزم السيد أكبر أمام صولات وجولات السيد الرئيس، وحينها أطرح سؤالي، ولا أطرحه في مثل هذه الظروف المتأزمة، ولكن فات الأوان و مرق السهم من القوس..خرجت من الغرفة الى حضرة الرئيس أو موظف الاستعلامات وشكوت له أمري، ضحك وقال: يعني اذهب إلى غرفة السيد النائب ليوقع ورقتك، بعد ذلك اذهب للمكتب كي تختم، حينئذ فقط فهمت معنى العبارة التلغرافية للرئيس السابق (نائب، توقيع، مكتب، ختم). ورحت أسأل تارة أخرى عن غرفة النائب إلى أن وجدتها في الطابق الخامس، لما دخلتها وجدتها غاصة بنساء ورجال يجلسون على الكراسي وفي أيديهم أوراق، لم تكن غرفة، إنما هي صالة طولها عشرون متراً وعرضها عشرة أمتار، وفي أقصاها طاولة كبيرة خلفها رجل يتحدث بالهاتف، وبما أنني لا افهم شيئاً من الإتكيت الاجتماعي، توجهت نحو الطاولة من دون مراعاة الدور، ووضعت الورقة أمام يد النائب، وبقيت واقفاً بكل احترام أمام عظمته، فجأة تنبهت الى أن النائب يشير إلي وهو يتحدث بالهاتف ملمحاً بإبهامه الى الجدار خلفه، تصورت أن القضية تتعلق بطريقتنا نحن الإيرانيين أثناء الكلام بالهاتف، إذ نستعين بحركات أيدينا وأرجلنا ورؤوسنا وأعناقنا لننقل الأفكار بأحسن ما يمكن الى عقول من نتكلم معهم، وأن السيد النائب يشير بيده وإبهامه لينقل مشاعره الى من يتحدث معه بالهاتف .. مضت لحظات وإشارات السيد النائب (الإبهامية) لا تنقطع، إلى أن انتهت المحاورة الهاتفية لحسن حظ المنتظرين أو لسوء حظي أنا، وضع النائب السماعة، وانفجر على حين غرة كأنه مدفع الإفطار فدوى صوته في كل أرجاء الغرفة: ـ قلت لك إقرأ هناك ! ـ ... ارتبكت، وانهزمت نفسياً، وتلعثم لساني. لم تكونوا هناك لتسمعوا مدفع السيد لنائب كم كان قوياً، قلت بارتباك وتلعثم: ـ أقرأ ماذا يا سيدي ؟ ـ هناك ... هل أنت أعمى ؟ ـ أين ؟ سيدي النائب ؟ ـ هناك، هناك ... فوق رأسي. ها قد تم البدرعلي، كنت عديم الفهم، وأصبحت أطرشا، ثم هاهو النائب يجعلني أعمى ولا يبخل علي بألطافه، ألقيت نظرة من فوق نظراتي الى الجدار فوق رأس فخامته فرأيت ورقة كتب عليها بخط ردئ: ـ‌ لا تقفوا أمام الطاولة، وراعوا الدور رجاء. ... أدركت لتوي أي خطأ لا يغتفر قد اقترفته، أردت أن أسال النائب هل ارتطمت أوراقك أنت أيضا بأوراق السيد اكبر البارحة؟ لكنني قدرت أن الأمور ستتعقد أكثر وقد أخرج من الدائرة دون توقيع الورقة، سحبت الورقة باحتياط من على طاولة النائب، وتراجعت بكل هدوء إلى الوراء من دون أن أولّي ظهري لطاولة حضرة النائب، بالضبط كما يفعل خدم الفراعنة في مصر كما رأيناهم في الأفلام. ولأن كل الكراسي في الغرفة قد احتلها المبكّرون والاشطر مني، وقفت بجانب الجدار، وعاد النائب يتحدث بالهاتف. صدقوني، بقيت واقفاً على أقدامي نحو ثلاثة أرباع الساعة، بل وأكثر كطالب مشاكس في صف سخط عليه المعلم. انتظر أن يصل دوري، وباقي المنتظرين جالسون و أوراقهم بأيديهم، وأخيرا وصل دوري وجر السيد النائب خطا على ورقتي في اقل من ثانية، ولم أفهم هل وقع الورقة أم انه شطب عليها، ولم أطرح أي سؤال حول هذه القضية، الحقيقة إنني خفت، حينما تفضل السيد النائب بتسليمي الورقة قال أيضا بعبارة تلغرافية ـ مكتب، ختم ! كنت مسروراً لأن خمسين بالمائة من المهمة قد أنجزت لحد الآن، وتقلصت عبارة (معاون، توقيع، مكتب، ختم) إلى (مكتب، ختم). لا أطيل عليكم، أخذت الورقة الى (مكتب، ختم) ... ولابد أنكم تقولون الآن يالسعادة شاهاني الذي انقضت حاجته بهذه السرعة والسهولة، ولكن يجب أن أقول أن الأمر ليس كذلك، فأنا ما أزال في أول الطريق".