ما اسباب عطالة قوى التغيير العربي
Jun ١٣, ٢٠٠٧ ٢٠:٣٠ UTC
في ندوة نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان اواخر مايو- ايار 2007جرى بحث وتقييم اداء حركات التغيير الديمقراطي في البلاد العربية، وفرص تحوله والاسباب التي تعيق هذا التحول الى اداة للضغط على الانظمة من اجل الاصلاح
في ندوة نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان اواخر مايو- ايار 2007جرى بحث وتقييم اداء حركات التغيير الديمقراطي في البلاد العربية، وفرص تحوله والاسباب التي تعيق هذا التحول الى اداة للضغط على الانظمة من اجل الاصلاح. حول هذا الموضوع حاورت السيدة تاج بخش احد المشاركين في الندوة، وهو البروفسور المختص بعلم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة سوربون في باريس السيد برهان غليون. • تاج بخش: في موضوع عطالة قوى التغيير العربي برأيك ما هي الاسباب التي تسببت في هذه العطالة وما هي العوائق التي منعتها من ان تتحول الى اداة فاعلة للضغط على الانظمة من اجل الاصلاح؟ • برهان غليون: طبعاً في العوامل المرتبطة في تكوين النظم والدول العربية، نحن نتحدث عن الدول العربية، النظم قامت اما عن طريق الانقلابات او عن طريق حركات التحرر الوطنية منعت التعددية او لا تؤمن بالتعددية وفي ثقافة لا تتعود على التعددية وتمحورت على فكرة الاجماع القومي والاجماع الوطني، كان من الصعب جداً ان تتكون قوى معارضة مع ضعف الثقافة السياسية ان تتكون قوى معارضة حية وفاعلة، نفس منع التفكير ومنع النقاش ومنع الجدل الاجتماعي والقيادة بالطريق العسكري للمجتمعات جعل المناخ غير ملائم اطلاقاً لتكوين قوى معارضة نشيطة لها خبرة ولها تجربة وقادرة على ان تؤثر على الحياة السياسية ولهذا اصبحت للمجتمعات العربية حياة مهمشة جداً ليس لها من يمثلها واصبح الصراع يدور بين القوى المتحكمة في الدولة وبين الدول الاجنبية، الحوار والنقاش دائماً يجري بين قوى النظام وقوى الاجنبية والشعب خارج عن اي نقاش وعن اي موقف. • تاج بخش: السيد برهان، هناك من يرى ان من ضمن العوامل التي تسببت في عطالة قوى التغيير العربية البنية الثقافية او العوامل الذاتية الميالة للفردية لا السلوك الجماعوي والشعبوي في هذه المجتمعات، فماذا تقولون؟ • برهان غليون: تماماً انا اقول ان الثقافة هي عامل وليس العامل الرئيسي لكنها عامل يعني الشعوب تتطور عندما تتطور ممارساتها السياسية بتطور فكرها السياسي، الفكر السياسي في القرون الوسطى غير الفكر السياسي في القرون الحديثة، انما يتعلق بالمجتمعات العربية اليوم لانستطيع ان نقول ان الثقافة السياسية هي العامل الرئيسي لان هناك ثقافة سياسية حديثة قوية وعميقة تطورت منذ قرنين، المسألة تتعلق حقيقة بالعوامل السياسية وبطبيعة النظم التي حكمت هذه البلدان وبطبيعة الظرف التاريخي الموجود فيه ايضاً، يعني الصراع مع الاستعمار وعدم تراجع المسألة الاستعمارية في المنطقة بعكس ما حصل في مناطق عديدة من مناطق العالم، منطقة الشرق الاوسط هي المنطقة الوحيدة التي لايزال يجري فيها اليوم صراع حقيقي ذو طابع استعماري ولايزال يحصل فيها استيطان استعماري انتهى عصره من القرن التاسع عشر في كل العالم، المنطقة تعيش ظروف استثنائية من ناحية العلاقة مع القوى العظمى والقوى الاجنبية بسبب القضية، بسبب مسألتين كبيرتين، مسألة "اسرائيل" وارتباطها بالاستراتيجية الغربية وبالوعي الغربي وتأنيب ضمير وبسبب وجود احتياطيات النفط الكبيرة في المنطقة جعلنا نتحول الى خارج نطاق التاريخ العالمي في سياق صراع استعماري وطني من دون نهاية تقريبا • تاج بخش: ماذا تقولون بأتجاه الفرضية القائلة بأن التحول الديموقراطي في المنطقة ما ان سنحت له الفرصة جراء تبني الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة سياسة كسب الاحتكار المؤيد للسلطات في الوطن العربي تبددت فوراً وتحولت الى كابوس، الى ماذا تعزون الاسباب؟ • برهان غليون: السياسة الامريكية في الخمس سنوات الاخيرة تحولت في الواقع بصرف النظر عن اهدافها واهدافها الاستعمارية بالاساس لكن بصرف النظر عن اهدافها تحولت الى فخ وخدعة كبيرة للقوى الاجتماعية في المنطقة والقوى السياسية تحولت الى خدعة اولاً لأنها اثارت حساسية كبرى الانظمة العربية وارعبتها وجعلتها تعود الى رد فعل بدائي فيما يتعلق بالتعامل مع المجتمع من اجل السيطرة عليه، يعني الى انغلاق اكثر والى استخدام اكثر للعنف والى تحويل النظم الى نظم امنية اكثر مما كانت في السابق وكانت اصلاً نظم غليظة من ناحية استخدامها للعنف والامن والمخابرات ضد شعوبها لكن هذا العنصر الاول من نتائج السياسة الامريكية العدوانية والغبية التي مورست في الخمس سنوات الماضية، العنصر الثاني هو ان قوى التغيير الصغيرة التي كانت تنتظر منذ زمن طويل بعض الريح لتحرك الاوضاع لان استقرار الاوضاع وجمودها هو نتيجة دعم خارجي ايضاً للانظمة الراهنة فكانت تعتقد ان الان الظرف الدولي قد تغير وان هناك تظافر عوامل داخلية وخارجية، داخلية مثل فساد النظام وتهلهله وخارجية مثل رغبة الولايات المتحدة الامريكية في اعادة النظر في الاوضاع والمسائل الاقليمية الداخلية، ان هذا سيؤدي الى شكل ما من اشكال التغيير، في الواقع هذا دفع بالقوى الداخلية الى ان لا تأخذ بالاعتبار قوتها الحقيقية وان تأمل بأكثر مما تستطيع وفي نفس الوقت دفع النظم و النخب الحاكمة التي تحولت الى نخب مافيويّة دفعها الى ردود افعال عنيفة جداً جعلتنا ندخل في حرب سياسية حقيقية وفي تصعيد متبادل بين المعارضة الضعيفة وبين السلطة الضعيفة ايضاً المضغوط عليها من الخارج وهذا ما يعبر عنه الواقع العربي اليوم، المجتمعات العربية تعيش في مأساة حقيقة من لبنان الى فلسطين الى الاردن الى العراق الى سوريا الى كل مكان الى مصر المهددة ايضاً بأنفجارات، نحن نعيش فعلاً على بركان بسبب غباء السياسات الدولية وتحجر وتوحش النخب الحاكمة في هذه البلدان. • تاج بخش: من فرص التحول الديمقراطي المساعدة التي لمسناها التي توافرت في الوطن العربي مع صعود جيل جديد من الحكام الشباب الذين كانوا يحوزون على ثقافة حديثة لم تكن لدى سابقيهم، برأيك لماذا كشر هؤلاء الحكام الشباب ايضاً بوجه المعارضة كما كان في السابق؟ • تاج بخش: النظم او الزعماء القدامى كانوا يشعرون بأنهم يحوزون على درجة كبيرة من الشرعية نضالهم السياسي السابق وبسبب مشاركتهم في التحرر الوطني والى آخره... فكان لديهم شعور بأنهم اقوياء وان شرعيتهم قوية، الشباب الجدد الذين ورثوا سلطة ابائهم او اخذوا السلطة بطريقة او بأخرى وبطريقة سلسة في معظم الاحيان ولم يساهموا ولم يكن لهم اي تاريخ نضالي يشعرون بأنهم الى حد كبير ابناء سلطة انقلابية ابناء سلطة رخيصة اخذوها بثمن رخيص ومع وجود المشاكل ليس لديهم اي شرعية ليس لديهم قدرة على الاستمرار بمضاعفة استخدام العنف وليس بالاعتماد على الكارزمية والصورة البطولية لآبائهم العكس هو الصحيح، الآن الامور مكشوفة اكثر من قبل نخبة مافيويّة تريد ان تسيطر على موارد البلاد بدون اوهام اشتراكية ووطنية وتحريرية وبدون اوهام ايضاً تقدمية وشعوب تريد بجميع الطرق ان تتحرر من نيل هذه السلطة الدكتاتورية اذن ليس هناك مفاجأة في ان يتحول الشباب ان يكشر الشباب عن انيابهم بشكل اكبر ويظهروا حقيقة السلطة القائمة والقطيعة القائمة بين الشعب وبين النظم السياسية الحالية. • تاج بخش: مجموعة هذه الاخفاقات في التحول الديمقراطي كيف انعكست على المجتمعات وبالاخص على قوى التغيير الديمقراطي في المنطقة؟ • برهان غليون: هذا ما قلته يعني التغيير اصبح اصعب، الواضح ان هناك صعوبة كبيرة في ان ينجح الشعب وتنجح القوى الديمقراطية على الاقل تحريك الشعب ودفعه الى ان يتحمل مصيره بنفسه وان يخرج من اطار التهميش واطار الاستبعاد الفظ والغليظ الذي دفعته اليه السياسات الامنية الفاحشة لكن اعتقد بتبني اجندة يمكن ان يحصل تغيير حقيقي لان الاوضاع في طريق مسدود ولان النظم القائمة رغم قوة البطش الذي تتمتع به في طريق مسدود على جميع الجبهات الوطنية والاقتصادية والتنموية والفكرية ايضاً. • تاج بخش: والاجندة التي تشيرون لها يعني هي اجندة مستقلة لظروف كل بلد بعيد عن الظرف الخارجي ام هناك تركيز على بناء قوى التحويل الذاتية يمكن تعويض ذلك برأيك؟ • برهان غليون: ينبغي التعويل بالدرجة الاساسية على الذاتية وحتى في الماضي في السنوات الماضية لم تكن الاجندة قوة تغيير في العالم العربي لا في مصر ولا سوريا ولا السعودية ولا غيرها مرتبطة حقيقة باجندة الولايات المتحدة، القوى الديمقراطية كانت دائماً تعلن عداءها للسياسات الامريكية المتوحشة والغبية انما ليس هناك شك ان القوى الديمقراطية قد سرعت من الاجندة او تبنت اجندة اكثر تسريعاً اعتقاداً ان الضغوط الاجنبية سوف تدفع النظم الى الانهيار وعليها ان تتحمل مسؤولياتها في حال انهيار النظم العربية ولا تسمح بتفكك البلاد وانحلالها، لم يكن هناك خلط بين الاجندة الوطنية الديمقراطية وبين الاجندة الامريكية انما كان هناك اوهام على احتمال ان يفرز الضغط الامريكي انهيارات سريعة في النظم، كان لا بد من ملأ الفراغ حتى لاتملئه القوى الاستعمارية. • تاج بخش: السيد برهان غليون، انتم مازلتم تعلمون ان مازال هناك عمل في اعادة الشعب للحياة العامة، كيف تقيمون اداء او حركات التغيير الديمقراطي على المدى القريب؟ • برهان غليون: اعتقد ان حركات التغيير الديمقراطي في العالم العربي بحاجة ايضاً الى مراجعة سياساتها وتكتيكاتها وخططها الماضية و بحاجة بشكل اكبر الى ان تشحن مخيلتها من اجل ابداع وسائل جديدة للتواصل مع المجتمع لان الطرق التقليدية نجحت النظم في ان تكسرها او ان تحطمها نهائياً ليس هناك امكانية للتواصل بين قوى التحول الديمقراطي وبين المجتمع ولا بد من اكتشاف ادوات جديدة ووسائل جديدة وسلوكات جديدة، لا بد من ربط قضايا الوطنية بشكل اوسع مع القضايا الديمقراطية ومع القضايا الاجتماعية، اليوم ليس هناك قضية مفصولة عن القضايا الاخرى التي تهم المجتمع وهذا هو الذي يستدعي اعادة النظر واعادة تركيب للفكرة الوطنية الديمقراطية نفسها وتجديد روحها من جديد. • تاج بخش: وهل برأيك يساعد اقامة ندوات لتقييم حركات التغيير الديمقراطي على صعيد الشرق الاوسط ايجاد تغيير بهذا الاتجاه ام ماذا؟ • برهان غليون: هذه هي الخطوة الضرورية والاساسية للمراجعة والتجديد في التفكير، نحن بحاجة الى ان نجتمع فيما بيننا نحن بحاجة الى ان نناقش الى ان نربط الصلات بين القوى الصغيرة المناضلة من اجل التحول الديمقراطي في كل منطقة المشرق، نتجاوز الحدود ونخلق شبكات تضامن بين الشعوب وحركات ديمقراطية على مستوى المنطقة من دون تمييز يعني ان الذين يعتقدون انه ليس من ممكن اليوم حصول تحول ديمقراطي بدون تحول وطني وليس من الممكن حصول تحول وطني، حقيقة استقلال وطني ناجز بدون تعاون دول الاقليم وشعوب الاقليم، العربية والايرانية والتركية والكردية الى آخره... انا اعتقد انه لازال امامنا عمل كثير اذا اردنا ان نخرج المنطقة، وضرورات للتفاهم فيما بيننا اذا اردنا ان نخرج للتفاهم، ان نخرج المنطقة فعلاً من براثن السيطرة الاستعمارية الامريكية القوية، من مخالب السيطرة الاستعمارية القوية ونحن لا نفعل شيء بعد نحن لا زلنا منقطعين عن بعض، نحن لا زلنا نشك ببعض، لا زلنا نعيش وهم ان نتحول، ربما البعض يعيش وهم ان يتحول الى قوى سيطرة اقليمية ويعيد بناء النموذج الاستعماري الذي لن ينجح على الاطلاق.