1066- سورة المطففين، الآيات 1 الى 17
نهج الحياة – 1066
تفسير موجز للآيات 1 الى 17 من سورة المطففين
بسم الله وله الحمد والشكر إذ هدانا للإيمان والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، حضرات المستمعين الأطائب سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات، تحية لكم وأهلاً بكم أينما كنتم وأنتم تتابعون برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنشرع في حلقتنا هذه تفسير سورة المطففين المباركة..
أيها الأفاضل، نستهل بيان سورة المطففين المباركة بالإستماع الى تلاوة مرتلة من الآيات الأولى حتى السادسة فتابعونا على بركة الله..
وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ{1} الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ{2} وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ{3} أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ{4} لِيَوْمٍ عَظِيمٍ{5} يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ{6}
أيها الأكارم، جاء في معنى "الويل" الهلاك والعذاب، وبناءً على الروايات، هو إسم واد في جهنم أو باب من أبوابها. وأما كلمتا (طفيف) و(قليل) فتحمل نفس المعنى، و"التطفيف" يعني التقليل وجذرها من (طفّ) بمعنى جانب؛ ويقال للبائع الذي يقلل من جوانب الأصناف "مطفف"؛ والتطفيف من الذنوب الكبيرة، وذلك لورود الوعيد بالعذاب عليه. وقد جاء في الروايات: إذا ما ابتلي الناس بالتطفيف، منعت الأرض الناس من نباتها وابتلي الناس بالقحط.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركة أولاً: كسب المال الحرام عن طريق التطفيف، من أسباب سقوط الإنسان.
ثانياً: لا ينبغي أن نرضى للآخرين ما لا نرضاه لأنفسنا.
ثالثاً: الأنس بالذنب هو أعظم من الذنب نفسه.
ورابعاً: يجب أن نحيي ذكر المعاد في القلوب للحؤول دون المفاسد.
أما الآن، أيها الكرام، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات السابعة حتى الثالثة عشرة من سورة المطففين المباركة..
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ{7} وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ{8} كِتَابٌ مَّرْقُومٌ{9} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{10} الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ{11} وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ{12} إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ{13}
وردت كلمة "سجين" من سجن أي الحبس وجاءت على وزن فِعّيل للمبالغة، أي السجن الشديد والأبدي.
و"مرقوم" أيها الأطائب، من رقم أي الخط الصحيح والواضح، إذ لا يمكن الإشتباه به بخط آخر، وعليه فإن "الكتاب المرقوم" أي سجل الفاجرين، هو محدد ومعين بشكل كامل وسوف يبقى أصحابه في سجن جهنم إلى الأبد.
أما المقصود من "الدين" في الآيات المرتبطة بيوم القيامة، هو الجزاء. وأما مفردة "أثيم" فمن (إثم) وتقال للشخص الغارق في الذنوب.
ومن تعاليم هذه الآيات الشريفة يمكن القول أولاً: المطفف فاجر يمزق ستار الدين.
ثانياً: يحث الذنب الإنسان على الكفر وإنكار الحق.
ثالثاً: القول إن الوحي أسطورة، هو ذريعة للبقاء على الكفر.
رابعاً: تسوق اللقمة الحرام الإنسان الى حد الكفر، حيث تحدثت بداية السورة عن التطفيف وهو وسيلة للكسب الحرام، وتحدثت الآيات اللاحقة عن الفجور وبعدها عن التكذيب.
وخامساً: يؤثر سلوك الإنسان في معتقداته وثوابته.
ندعوكم الآن، إخوة الإيمان، للإستماع الى الآيات الرابعة عشرة حتى السابعة عشرة من سورة المطففين المباركة..
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ{14} كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ{15} ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ{16} ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ{17}
جاءت كلمة "الرين" أيها الأفاضل بمعنى الصدأ الذي يتشكل على بعض المعادن. وقد روي عن الإمام الباقر(ع): (ما من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في تلك النكتة نكتة سوداء.. وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً، وهو قول الله تعالى " كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم".
وجاء عن الإمام الرضا (ع) في تفسير قوله تعالى: " كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ": (إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عنه فيه عباده؛ ولكنه يعني: أنهم عن ثواب ربهم لمحجوبون).
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المبينة أولاً: يغير الذنب روح الإنسان ويمنعه من إدراك الحق.
ثانياً: فطرة الإنسان سليمة، والذنب هو الذي يغطيها.
ثالثاً: القلب والروح هما مركز إدراك الحقائق في الثقافة القرآنية.
ورابعاً: المداومة والإصرار على الذنب سببان لصدأ القلوب.
إلى هنا، إخوتنا الأفاضل، نصل وإياكم الى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر وتفسير ميسر آخر من آي الذكر الحكيم نستودعكم الباري تعالى والسلام خير ختام.