1068- سورة الانشقاق
نهج الحياة – 1068
تفسير موجز لسورة الانشقاق
بسم الله وله الحمد كما هو أهله ثم أفضل الصلاة وأتم التسليم على أشرف الخلق محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين.. أعزاءنا المستمعين الأكارم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وأهلاً بكم أينما كنتم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من برنامجكم (نهج الحياة) حيث سنقدم لحضراتكم في حلقتنا هذه تفسير سورة الانشقاق المباركة فكونوا معنا على بركة الله...
ندعوكم الآن، أحبة الإيمان، الى الاستماع الى تلاوة مرتلة من الآيات الأولى حتى الخامسة من سورة الانشقاق المباركة..
إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ{1} وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ{2} وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ{3} وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ{4} وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ{5}
"الشق" أيها الأعزة، هو إحداث صدع، وقد ورد عن الإمام علي (ع): "تنشق (السماء) من المجرة". و"أذنت" من الأذن أي سماع الأمر وتنفيذه؛ و"حقت" أي أنها كانت تستحق ذلك.
وتشير الآيات المباركات إلى أنه سيُقذف يوم القيامة كل ما في بطن الأرض من أموات وكنوز وغيرها الى الخارج، مثلما جاء في سورة الزلزلة.
ومن تعاليم هذه الآيات الشريفة يمكن القول أولاً: في عالم الطبيعة نوع من الشعور يطيع به أوامر الله.
وثانياً: التسليم لله تعالى هو وحده التسليم المستحق.
أيها الإخوة والأخوات، في هذه اللحظات ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات السادسة حتى الخامسة عشرة من سورة الانشقاق المباركة..
يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ{6} فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ{7} فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً{8} وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً{9} وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ{10} فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً{11} وَيَصْلَى سَعِيراً{12} إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً{13} إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ{14} بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً{15}
تأتي كلمة "كدح" أيها الأحبة، بمعنى الكد والسعي وكذلك تأتي بمعنى الأذى والضرر، أي أن الإنسان يسعى الى ربه؛ ولكن سعيه هذا مصاحب للتعب والمشقة.
ونقرأ في الحديث: من اتصف بثلاث خصال، سهل الله حسابه وأدخله الجنة برحمته: "تعطي من حرمك، تصل من قطعك، وتعفو عمن ظلمك".
وأما مفردة "يحور" فمن حور بمعنى الرجوع والعودة والمقصود به الرجعة الى الحياة الأخروية في القيامة.
وجاء في الآية التاسعة والثالثة عشرة، كلام عن الفرح والسرور بقرب الأهل، أحدها سلبي وكان موضعاً للإنتقاد والآخر إيجابي وهو ثواب للمحسنين؛ أجل، فإن نتيجة الغفلة والسرور بالدنيا، جهنم؛ ونتيجة الإيمان والتقوى في الدنيا، السرور بين الأهل في الآخرة.
و قد سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن قوله تعالى " وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً" فأجاب (ع): "أهله في الدنيا هم أهله في الجنة إن كانوا مؤمنين".
كما نتعلم من هذه الآيات بأن يقتضي العقل والإحتياط أنه وإن لم يكن عندكم يقين بالقيامة، فعلى الأقل أن تظنوا بأنها واقعة؛ لا أن تعتقدوا بعدم وجود القيامة، فهذا سبب للهلاك.
أما الآن، أحبة القرآن الكريم، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات السادسة عشرة حتى الحادية والعشرين من سورة الانشقاق المباركة..
فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ{16} وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ{17} وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ{18} لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ{19} فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{20} وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ{21}
كلمة "طبق" تعني التطبيق والإنطباق، أي وضع شيئين أحدهما فوق الآخر، تطلق أيضاً على حالة إذ تكون روح الإنسان متطابقة مع تلك الحالة. إذاً معنى آية "لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ" هو أنكم تركبون على حالة وخصلة تحملكم كالمركب الى مقصدكم.
وتشير الآيات إلى أنه كما تظهر الحمرة في وقت الغروب، ومن ثم يغطيها سواد الليل فيأتي عندها نور القمر ليضيء الليل، وتحدث هذه الحالات الواحدة تلو الأخرى، فأنتم أيضاً أيها البشر قد جئتم الواحد تلو الآخر وتمتلكون حالات مختلفة وتتحركون في مسير التكامل الى الله تعالى.
والمقصود من السجدة في آية " وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ" الخضوع والتصديق والإيمان وإلا لكان لزاماً أن يسجد الناس عند تلاوة كل آية فيها حديث عن السجود.
والآن، أعزاءنا المستمعين، نستمع وإياكم خاشعين إلى تلاوة آخر آيات سورة الانشقاق المباركة وهي الآيات الثانية والعشرين حتى الخامسة والعشرين منها..
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ{22} وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ{23} فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{24} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ{25}
أيها الأفاضل، جاءت كلمة "يوعون" من وعاء والمقصود بها هنا هو وعاء القلب وما يملكه الإنسان في قلبه. و"بشّر" من بشارة وتطلق على الخبر الذي يتغير عند سماعه وجه الإنسان وبشرته، وعادة تطلق على الأخبار السعيدة، وقد تأتي أحياناً في معرض التحقير.
بهذا، إخوة الإيمان، نصل الى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فحتى الملتقى في الحلقة القادمة وتفسير سورة أخرى من سور القرآن الكريم نستودعكم الباري عزوجل والسلام خير ختام.