Nov ٠٤, ٢٠٢٣ ٠٦:١٥ UTC

نهج الحياة – 1072

تفسير موجز للآيات 1 الى 7 من سورة الأعلى 


بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين وأفضل الصلاة والسلام على أشرف الخلق، خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين،، مستمعينا الأكارم في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، تحية طيبة مباركة لحضراتكم وأنتم تتابعون سلسلة حلقات برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنشرع في حلقتنا هذه تفسير سورة الأعلى المباركة بدءً بالإستماع الى تلاوة مرتلة من آياتها الأولى حتى الخامسة فكونوا معنا مشكورين..

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى{1} الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى{2} وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى{3} وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى{4} فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى{5}

أيها الأفاضل، تسبيح اسم الله، لا يعني فقط تنزيه ذات الله عن الشريك، بل أن لا نجعل حتى لإسمه شريكاً ولا نجعل أسماء الآخرين مع إسمه تعالى.

وبمرور الوقت، إخوتنا الأطائب، تُفهم الهداية التكوينية للمخلوقات بشكل أفضل، فقد اندفع آلاف العلماء الى البحث واحتاروا ليعرفوا كيف ترجع الطيور والأسماك الى مواطنها حتى بعد أن تبتعد مئات الكيلومترات عنها؛ فوُضعت الهداية الإلهية في كل مخلوق وهي التي تقوده إلى طريق التكامل، تتحول ذرّات التراب الى فاكهة، الفاكهة تصبح نطفة، النطفة تتكامل إلى إنسان، ثم يصبح جسم الإنسان تراباً مرة أخرى.

وأما كلمة "سوّى" بمعنى التنظيم، وهذا التنظيم يشمل المجرات وما فيها؛ بل وحتى النظام الحاكم على الحشرة التي لا ترى بالعين المجردة؛ و"الغثاء" يعني النبات الجاف والحشيش اليابس، و"أحوى" يعني الخضرة المائلة الى السواد.

وتشير هذه الآيات المباركات الى أنه حتى الورقة الصغيرة والحشيش اليابس لايترك لحال سبيله؛ والمرج الأخضر الذي تحول في نظرنا الى حشيش يابس وأسود، هو نفسه في نظام الهداية الإلهية يتحول إلى مادة أخرى ضرورية لخصوبة الأرض وقوة الشجر، أو يتجمع ويبدل تحت ظروف معينة الى فحم أو أي مادة مفيدة للتراب.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات البينات أولاً: إسم الله مقدس، فاجتنبوا أي إهانة لإسمه.

ثانياً: تسبيح الله سبب في رشدكم وتربيتكم.

ثالثاً: إن الله سبحانه ليس خالقاً فحسب، بل مضافاً إلى ذلك فإنه منظِم الوجود والموجوادت.

رابعاً: قدرة الموجودات وهدايتها، دليل على وجود هدف للخلق.

وخامساً: الأوامر الإلهية مصاحبة للحكمة والدليل.
أما الآن، إخوة الإيمان، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيتين السادسة والسابعة من سورة الأعلى المباركة..

 سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى{6} إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى{7}

كلمة "سنقرئك" أيها الأحبة، من مادة "قرأ" ومن باب إفعال، والإقراء في اللغة أن يقرأ القارئ ويستمع له الأستاذ ويصحح أخطاءه، ولكن في ما يخص نبي الإسلام (ص) فإن كلمة (إقراء) تعني أننا سنعطيك القدرة على قراءة القرآن بصورة صحيحة وبدون أي نقص وألا تنسى ما يُنزّل عليك.

وأما جملة " إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ" إستثناء، والمقصود منها قدرة الله المطلقة، ليعلموا أن الله قادر على أن يبتلي النبي بالنسيان حتى بعد أن أعطاه القدرة على عدم النسيان. مثلما قال تعالى عن أهل الجنة: إن الجنة خالدة لهم وأن عطاء الله غير مقطوع عنهم، مع هذا قال تعالى في الآية الثامنة بعد المئة من سورة هود، بين كلمة (خالدين) و (عطاء غير مجذوذ) قال:(إلا ما شاء ربك) وهذا ليبين أن قدرة الله غير محدودة.
ومن تعاليم هاتين الآيتين الشريفتين، أيها الكرام، يمكن القول أولاً: خلق الوجود وهدايته التكوينية هو مقدمة لهداية البشر المعنوية والتشريعية.

ثانياً: كل ما يملكه الرسول (ص) هو من الوحي، لذا كان قلقاً من نسيان الوحي في المستقبل، فأعطاه الله الوعد بعدم نسيانه.

ثالثاً: كان النبي الأكرم (ص) حافظاً للقرآن كله؛ فمن معاجز النبي (ص) أنه كان يحفظ حتى الآيات الطويلة الى الأبد، بمجرد سماعها مرة واحدة.

رابعاً: رغم أن الله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده أبداً، ولكن وعد الله لا يعني أنه مُجبر.

وخامساً: تقتضي بعض الأمور بأن تبقى مخفية، فجاءت كلمة (يخفى) بصيغة المضارع لتبين أن كون بعض الأمور مخفية هو مما تقتضيه طبيعة هذه الأمور.
إخوتنا الأكارم، بهذا وصلنا وإياكم الى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فحتى الملتقى في الحلقة المقبلة دمتم بخير وفي أمان الله تعالى.

 

كلمات دليلية