1073- سورة الأعلى، الآيات 8 الى 19
نهج الحياة – 1073
تفسير موجز للآيات 8 الى 19 من سورة الأعلى
بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين.. مستمعينا الأفاضل في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية طيبة مباركة لحضراتكم وأنتم برفقتنا وبرنامجكم "نهج الحياة" حيث سنكمل في حلقتنا هذه بإذنه تعالى تفسير ما تبقى من آيات سورة الأعلى المباركة..
بداية ندعوكم أيها الإخوة والأخوات الى تلاوة الآيات الثامنة حتى الثالثة عشرة من سورة الأعلى المباركة..
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى{8} فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى{9} سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى{10} وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى{11} الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى{12} ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى{13}
جاء في آيتي الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين من سورة طه المباركة أن النبي موسى (ع) قد طلب من الله تعالى أمرين لينجح في تبليغ رسالته، وهما: سعة الصدر وتيسير أمر الرسالة. وقد أعطى الله تعالى هذين الأمرين لنبي الإسلام (ص) دون أن يطلبهما، فقد قال عن سعة الصدر(ألم نشرح لك صدرك) وقال عن تيسير أمور الدعوة في هذه الآية (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى).
فالمقصود من (نيسرك) هو: سوف نزود نفسك الشريفة بخلق عظيم وسعة صدر وصفاء وتواضع، لتتمكن من أداء الرسالة بأفضل الطرق وبيسر، سوف نعمل لأن تكون قادراً على اختيار الطريق الأيسر وهو طريق الفطرة.
ومما نستقيه من منهل هذه الآيات المبينات أولاً: يشتمل تبليغ الدين ودعوة الناس الى الله، على صعوبات ومشاكل عدة، وقد أعطى الله وعده بأن يساعد مبلغ الدين ويُيسّر عليه تحمل الصعوبات.
ثانياً: إذا ما كلفتم أحداً بمهمة، فيسروا له مهمته.
ثالثاً: الإستعداد لتقبل النصيحة هو شرط للتذكر، ولا يتحمل النبي أي مسؤولية تجاه الذين لا يقبلون بالنصيحة.
رابعاً: لا يجدر بالمبلغ أن يتوقع التأثير الفوري.
خامساً: الإبتعاد عن رسالة القرآن ونصيحته، سبب للشقاء.
سادساً: أتعس الناس من لا يخشى الله.
وسابعاً: الخلود في جهنم، لا يغير من طبيعة أهل جهنم بحيث يعتادون عليها فلا تؤذيهم نارها، بل يبقون في عذاب دائم. (أجارنا الله وإياكم منها).
والآن، أيها الكرام، ننصت معاً خاشعين الى تلاوة الآيتين الرابعة عشرة والخامسة عشرة من سورة الأعلى المباركة..
قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى{14} وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{15}
التزكية، أيها الأفاضل، هي تطهير الفكر من المعتقدات الفاسدة، والنفس من الأخلاق الفاسدة، والأعضاء من التصرفات الفاسدة، والزكاة هي تطهير للروح من الحرص والبخل وتطهير للمال من حقوق المحرومين.
وتشير الآيتين الى أن في مذهب الأنبياء، المفلحون هم الطاهرون، ولكن في مذهب الطواغيت فإن المفلحين هم المتجبرون. فكان فرعون يقول (وقد أفلح اليوم من استعلى).
وذكر القرآن الكريم الفلاح الحتمي للمؤمنين في بداية سورة المؤمنون، وذكره للذين يزكون أنفسهم كذلك " قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى".
ويقول القرآن الكريم في ختام بعض الآيات (لعلكم تفلحون)؛ لأن عمل الخير الذي يقوم به الذين لم يزكوا أنفسهم، يُمحَق بالرياء والغرور والذنب والمن؛ ولكن يقول القرآن بشكل قاطع عن الذين زكوا أنفسهم (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى) ولكن لا تنال التزكية تلقائياً، بل يجب السعي للحصول عليها بالصلاة والعبادة.
والآن، إخوتنا الأفاضل، نستمع معاً خاشعين الى تلاوة آخر آيات سورة الأعلى المباركة وهي الآيات السادسة عشرة حتى التاسعة عشرة ...
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{16} وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى{17} إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى{18} صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى{19}
جاء في الروايات (حب الدنيا رأس كل خطيئة) الدنيا ، أيها الأفاضل، جسر للعبور وليست مكاناً للتوقف فيه، يجب عبور الدنيا للوصول الى المقر الأبدي. فقد جاء عن أميرالمؤمنين (ع): "خذوا من ممركم لمقركم".
وحول الآيتين الآخرتين فقد نقل أبوذر (رض) عن النبي الأكرم (ص) فيما مؤداه: أن الله أرسل مئة وأربعة وعشرين ألف نبي، منهم ثلاثمئة وثلاثة عشر رسول حيث كان عندهم مئة وأربعة كتب.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركة أولاً: حب الدنيا مانع من التزكية.
ثانياً: إذا انتقدتم شيئاً، فعليكم بالمقابل تقديم المثال الجيد واقتراح الحل.
ثالثاً: ذكر الله الدائم والمستمر، هو الطريق لتطهير قلب الإنسان وفكره.
رابعاً: يجب أن تكون الصلاة على أساس الذكر والتوجه، وإلا تكون ناشئة عن الغفلة والعادة.
وخامساً: لكتب النبي إبراهيم والنبي موسى (عليهما السلام) مكانة مميزة بين الكتب السماوية الأخرى (عدا القرآن العظيم).
مع ختام تفسير سورة الأعلى المباركة، أيها الأطائب، وصلنا الى نهاية هذه الحلقة من برنامج " نهج الحياة " فحتى لقاء آخر وتفسير سورة أخرى من القرآن الكريم نستودعكم الله تعالى والسلام خير ختام.