1079- سورة الليل
نهج الحياة – 1079
تفسير موجز لسورة الليل
بسم الله وله الحمد حيث هدانا بفضله الى صراطه المستقيم، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الأبرار الطاهرين .. حضرات المستمعين الأكارم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم في رحاب القرآن الكريم ضمن برنامج "نهج الحياة" حيث سنقدم لكم بإذنه تعالى في حلقتنا هذه تفسير سورة الليل المباركة بدأً بالإستماع الى تلاوة مرتلة لآياتها الأولى حتى الرابعة فتفضلوا بمتابعتنا مشكورين..
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى{1} وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى{2} وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى{3} إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى{4}
أيها الأفاضل، الليل نعمة عظيمة، فيه تعديل الحرارة وراحة الجسم وسكون الروح والنجوى الصادقة؛ وأما كلمة "شتى" فجمع شتيت ويعني المتفرق، وليس من الهدف، بيان الاختلاف بين سعي البشر فحسب، لأن هذا الإختلاف واضح للجميع، ولكن القَسَم لأجل النتائج والآثار المختلفة للأعمال.
ومن تعاليم هذه الآيات المباركة أولاً: الزمان أمر محترم ويمكن القسم به.
ثانياً: ينبغي الإنتباه للدلائل في الآفاق وفي الأنفس.
ثالثاً: قانون الزوجية في الإنسان والحيوان، دليل على قدرة الله وحكمته.
ورابعاً: رحمة الله وعذابه مبينان على الحكمة والعدالة لا العشوائية، فأعمالكم أنتم أيها البشر مختلفة ولذلك تقتضي العدالة إختلاف الجزاء.
أما الآن، أيها الإخوة والأخوات، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات الخامسة حتى الحادية عشرة من سورة الليل المباركة..
فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{10} وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى{11}
أيها الكرام، قد يكون المقصود من العطاء المصاحب للتقوى، بنية خالصة ودون منة، وأن يكون مالاً حلالاً، وفي سبيل الله؛ وقد جمعت كل هذه الأمور في كلمة التقوى بقوله تعالى (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى).
وتشير الآيات الى أن الله تعالى قد فتح طريق عمل الخير أمام بعض الناس، وفتح لبعض آخر طريق الشر، فذلك بسبب الإختلاف بين سعي البشر أنفسهم؛ والملاحظة اللطيفة هي أن القرآن الكريم قال سنوجهه إلى أسهل الطرق " فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى" ولم يقل: سنسهل الأمر عليه، وثمة فرق بين أن يكون الإنسان ميسراً أو أن يكون عمله يسيراً؛ فيستطيع الإنسان بالصبر والدعاء وبالإتصال بالقدرة اللامتناهية أن يمتلك بكل سهولة سكينة وسعة صدر يستطيع معهما تقبل أي عمل براحة ويصبح القيام بأي عمل خير يسيراً عليه.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات البينات أولاً: بيان المصاديق والأمثلة بعد الكليات هي الطريقة الصحيحة للتبليغ.
ثانياً: يكون العطاء مجدياً إذا ما كان مصاحباً للتقوى.
ثالثاً: التقوى، شرط لقبول العطاء.
رابعاً: تيسير أمور الإنسان أو تعسيرها هو نتيجة لسخاء الإنسان أو بخله مع الآخرين.
وخامساً: فليعلم البخلاء أن الثروة لن تنجيهم من العذاب.
أما الآن، إخوة الإيمان، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات الثانية عشرة حتى الحادية والعشرين وهي آخر آيات سورة الليل المباركة..
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى{12} وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى{13} فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى{14} لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى{15} الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى{16} وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى{17} الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى{18} وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى{19} إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى{20} وَلَسَوْفَ يَرْضَى{21}
الهداية، أيها الأفاضل، من قبل الله تعالى أمر حتمي، ولكن تقبل الناس للهداية ليس حتمياً، مثلما يقول تعالى في موضع آخر (وأما ثمود فديناهم فاستحبوا العمى على الهدى).
ومعنى "تلظى" فمن اللظى وهي شعلة النار من دون دخان فتكون قدرتها على الإحراق أكبر.
كما تشير الآيات الى أن البقاء والخلود في جهنم خاص بالأشقياء، فتحمل كلمة (صلى) في طياتها معنى المرافقة والمصاحبة، وقد تكون عبارة (ناراً تلظى) نوعاً خاصاً من النار بالأشقياء وسيبتلى باقي المجرمين بأنواع أخرى من النار.
ويمكن تفسير آية " وَلَسَوْفَ يَرْضَى" بطريقتين: أن الإنسان سيرضى عن الله عندما يصل إلى هدفه، أو أن الله سيرضى عنه.
ومما تلهمه إيانا هذه الآيات الكريمة أولاً: التحذير والإنذار وسيلة للهداية الإلهية.
ثانياً: نار الآخرة أمر عظيم ومجهول.
ثالثاً: من علامات التقوى، المساعدة المالية الخالصة.
رابعاً: الله هو الخالق الأعلى، فاسعوا إلى رضاه وحده ليعطيكم الجزاء الأعلى.
وخامساً: يصل الإنسان المخلص إلى مقام الرضا ويكون دائم الرضا عن الله تعالى.
مع ختام تفسير سورة الليل المباركة، أيها الأطائب، نصل الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة؛ فحتى الملتقى في الحلقة القادمة دمتم بخير وعافية وفي أمان الله وحفظه.