Nov ٠٧, ٢٠٢٣ ٠٤:٤٤ UTC

نهج الحياة – 1083

تفسير موجز لسورة القدر


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على خاتم الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين.. حضرات المستمعين في كل مكان، أحبة كتاب الله الوضاء، سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركاته، تحية طيبة مباركة لكم وأنتم تتابعون سلسلة حلقات برنامجكم القرآني، نهج الحياة، وتفسير سورة أخرى من القرآن الكريم، ألا وهي سورة القدر المباركة حيث ورد في ثواب قراءتها وبركاتها روايات عدة، فندعوكم لمتابعتنا..
نستهل لقاءنا هذا، أيها الأكارم، بالإستماع الى تلاوة الآيات الثلاث الأولى من سورة القدر المباركة..

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ{3}

أعزتنا المستمعين، ينجز الله تعالى أمور الكون عن طريق الملائكة وبواسطتهم، لذا جاءت أغلب الأفعال والضمائر المرتبطة بالله في القرآن الكريم بصيغة الجمع، مثل بداية سورة القدر.

وبناء على رأي المفسري، فقد نزل القرآن مرتين، في المرة الأولى نزل دفعة واحدة في ليلة القدر، وفي المرة الثانية نزل بصورة تدريجية، وذلك في مدة رسالة النبي (ص)، وعبّر القرآن عن نزول هذا الكتاب السماوي بصورتين، مرة بكلمة (أنزلنا) من إنزال بمعنى النزول دفعة واحدة؛ ومرة أخرى بكلمة (نزلنا) من التنزيل بمعنى النزول التدريجي.

ووردت كلمة "قدر" في القرآن بأكثر من معنى منها المقام والمنزلة ومنها القضاء والتقدير الإلهي ومنها الضيق والصعوبة. ويتناسب أول معنيين مع (ليلة القدر) لأنها، ليلة ذات مقام رفيع وهي ليلة القضاء والتقدير؛ فيقدر الله تعالى في ليلة القدر أمور السنة كلها، كما يقول الله تعالى في موضع آخر من القرآن (فيها يفرق كل أمر حكيم) لذا فإن ليلة القدر ليست محصورة بنزول القرآن وبزمان النبي (ص).

وقد يكون السر من وراء إبقاء ليلة القدر مخفية هو حث الناس على التعبد في ليال متعددة، ولكي لا يغتر من يدرك الليلة مرة واحدة، ولا ييأس من لم يدركها من باقي الليالي.
ومن ما تلهمنا هذه الآيات المباركة أولاً: ليلة القدر هي ليلة إظهار الإمتنان لله وشكره، لأنه قد نزلت فيها أهم نعم الله تعالى على البشر ألا وهي القرآن.

ثانياً: يجب أن يتناسب الظرف والمظروف، فقد نزل أفضل الكتب في أفضل ليلة على أفضل البشر.

ثالثاً: ينبغي إختيار وقت مقدس، للأمور المقدسة.

رابعاً: ليست الأوقات سواسية، فبعض الأوقات لها الأفضلية على بعضها الآخر.
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، ننصت وإياكم خاشعين الى الآيتين الرابعة والخامسة وهي آخر آيات سورة القدر المباركة..

 تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ{4} سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{5}

سئل الإمام الصادق (ع) هل الروح هو جبرائيل؟ فأجاب قائلاً: (جبرائيل من الملائكة والروح أرفع مرتبة من الملائكة، ثم تلا آية (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ..).

كما تشير الآيات، أيها الأطائب، إلى أن التواصل يحصل بين السماء والأرض، والملك والملكوت، والطبيعة وما رواء الطبيعة في ليلة القدر بنزول الملائكة على قلب الرسول (ص).

وأما "سلام" فهو أحد أسماء الله التي وردت في القرآن الكريم؛ والمقصود من السلام في الآية، العناية واللطف الإلهي الخاص في هذه الليلة بالعباد إذ يحوي السلامة والرحمة والبركة وغلق باب النقمة والعذاب، ولا تكون وسوسة الشيطان في ذلك الوقت مؤثرة.

وأيضاً مما أشير في التفاسير حول معنى الآية الأخيرة أن الملائكة تنزل الى الأرض في ليلة القدر، وتسلم على كل من في حال العبادة، مثلما يستقبلون أهل الجنة في يوم القيامة بالسلام حسب قوله تعالى (سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين).

ومما تعلمه إيانا هاتان الآيتان الكريمتان أولاً: لا تقوم الملائكة بأي عمل دون إذن الله تعالى.

ثانياً: يكون تقدير الأمور في ليلة القدر بنزول الملائكة وحضورهم.

ثالثاً: تقدير الأمور في ليلة القدر، جزء من ربوبية الله.

رابعاً: ليلة القدر، ليلة سلامة فكر الناس وروحهم، والتعالي إلى الله هو بحد ذاته سلام.

خامساً: ليلة القدر، ليلة الرحمة، ويمكن الحصول على اللطف الإلهي عن طريق التوبة.

وسادساً: يقدر الله تعالى الأمور بما يحقق سعادة البشر، إلا إذا أراد بعض الناس غير ذلك.
مع ختام تفسير سورة القدر المباركة، أيها الأفاضل، نصل وإياكم الى نهاية هذه الحلقة من برنامجكم "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر وتفسير موجز من آي الذكر الحكيم لكم منا أطيب المنى وفي أمان الله.

 

 

 

كلمات دليلية