1084- سورة البينة
نهج الحياة – 1084
تفسير موجز لسورة البينة
بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين وأزكى الصلاة وأتم التسليم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. حضرات المستمعين الأكارم في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، تحية طيبة لكم أينما كنتم وأنتم تتابعون برنامجكم القرآني، نهج الحياة، وتفسير سورة أخرى من القرآن الكريم، ألا وهي سورة البينة المباركة، فكونوا معنا وتابعونا على بركة الله...
ندعوكم الآن، أحبتنا الأفاضل، للإستماع الى تلاوة الآيات الأولى حتى الرابعة من سورة البينة المباركة..
بسم الله الرحمن الرحيم
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ{1} رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً{2} فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ{3} وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ{4}
"البينة" أيها الكرام، هي الدليل الواضح الذي يفرق به بين الحق والباطل، و"القيّم" هو الأمر المستقيم المحكم وذو القيمة العالية، كما تطلق صفة " قيّم" على الشخص الرحيم الذي يقوم بأمور الآخرين، وحرف التاء في كلمة "قيّمة" للمبالغة مثل "علّامة" وليس للتأنيث.
كما فُسرت هذه الآية بصورتين؛ بناء على أحد التفاسير فإنها تتحدث عن عدم وفاء وعدم صدق أهل الكتاب والمشركين، وفي تفسير آخر أنها لإتمام الحجة عليهم.
ومن تعاليم هذه الآيات البينات يمكن القول أولاً: لا تتوقعوا أن يتخلى الناس عن معتقداتهم وطريقهم من دون دليل واضح.
ثانياً: يتم الله تعالى الحجة عن طريق الرسول السماوي والكتاب المقدس.
وثالثاً: لا يمكن للعلم والمعرفة أن يحلا مشكلة مع وجود هوى النفس، فلقد فهم أهل الكتاب الحق بوضوح، ولكنهم تفرقوا بسبب اتباعهم هوى أنفسهم.
أما الآن، أيها الإخوة والأخوات، ننصت وإياكم الى تلاوة الآية الخامسة من سورة البينة المباركة..
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ{5}
كلمة "حنفاء" جمع "حنيف" من الحنف وهو الميل الى الحق، في مقابل كلمة "حنف" بمعنى الميل الى المباطل. وإذا ما وضعنا آية (وذلك دين قيمة) الى جانب آية (فأقم وجهك للدين حنيفا..) نستطيع الإستنتاج أن العبادة الخالصة من دون تظاهر والإرتباط بالله (الصلاة) ومساعدة الآخرين (الزكاة) من الأمور الفطرية في كل إنسان.
ومما نستقيه من هذه الآية المباركة أولاً: تتغير ميول الناس وأهواؤهم، أما الدين فهو ثابت وباق.
ثانياً: الإخلاص والبعد عن الرياء هما سر البقاء.
ثالثاً: جاء الأمر بالتوحيد والصلاة والزكاة في كل الأديان السماوية.
والآن، مستمعينا الأفاضل، أحبة القرآن الكريم، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيتين السادسة والسابعة من سورة البينة المباركة..
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ{6} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ{7}
كلمة "برية" أيها الكرام، إما أن تكون من "برى" بمعنى التراب ويكون المقصود منها كل المخلوقات الترابية ومن ضمنها الإنسان، أو أن تكون من "برأ" بمعنى الخلق و"بريّة" بمعنى المخلوقات.
وجاء في الروايات، أن النبي الأكرم (ص) قال للإمام علي (ع): أنت وأصحابك خير البرية، وجاء في الآية الثانية والعشرين من سورة الأنفال (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) والدليل على أن الإنسان هو الأسوأ، أيها الأعزة، أنه قد جاءه الرسول والكتاب وأفهموه الحقيقة ولكنه أصر على العناد بسبب غروره وتكبره.
ومما نستقيه من منهل هذه الآيات المنيرة أولاً: من لا يقبل الإسلام، سواء أكان مشركاً أم من أهل الكتاب، فهو كافر.
ثانياً: يصبح أفضل ما في الوجود، أي الإنسان، أسوأ المخلوقات عندما يضرب المنطق والبينة بعرض الحائط.
وثالثاً: يكون الإيمان مثمراً، إذا ما كان مصاحباً للعمل الصالح.
إخوة الإيمان، أما الآن، نستمع معاً الى تلاوة الآية الثامنة وهي آخر آيات سورة البينة المباركة..
جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ{8}
تطلق كلمة "الخشية" على الخوف الناشيء عن التعظيم والعظمة. وتقول هذه الآية، أيها الأكارم، أن الجنة خاصة بأهل الخشية (ذلك لمن خشي ربه) وتقول آية أخرى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) إذاً فإن الجنة خاصة بالعلماء، لكن نحن نعلم أن ليس كل أهل العلم والعلماء من أهل الجنة، فقد ذكر القرآن الكثير من أهل جهنم الذين ضلوا من بعد العلم والمعرفة بقوله تعالى (وأضله الله على علم) وكذلك فإن ليس كل الأميين من أهل النار؛ إذاً فإن ذلك العلم الذي يكون سبباً للخشية ليس هو العلم بمعناه الإصطلاحي، ولكن المقصود هو الفهم الطبيعي والإلهي والذي يكون سبباً في تنوير القلب؛ جعلنا الله وإياكم من العالمين العاملين بنهج القرآن الكريم؛ شكراً لكم لحسن استماعكم لهذا اللقاء أيها الأطائب وفي أمان الله.